بسم الله الرحمن الرحيم
الإفراج الأخير عن بعض الأسرى خطوة في الاتجاه الصحيح
ما الذي صنع تجاه الأسرى الفلسطينيين في السجون الأسرى؟
تحتل قضية الأسرى الفلسطينيين حيزاً كبيراً لدى السياسة الفلسطينية، ولها محل الصدارة من الإهتمام في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومما لا شك فيه أن الخطوة التي خطاها الجانب الإسرائيلي تجاه بعض الأسرى الفلسطينيين في إخراجهم من السجون -وبعضهم بقي له ما يربوعلى الخمس سنوات وجلهم بقي لهم الوقت القصير من محكومياتهم- هي في الاتجاه الصحيح، رغم أن العدد الذي خرج يعد قلة قليلة أمام العدد الضخم الذي تضمه ظلمات السجون الإسرائيلية، وأكثرهم وجلهم سجناء رأي وسجنان حرية، وكلهم سجناء إحتلال وسجناء سياسات غاشمة يمارسها الإحتلال تجاه شعبنا الصابر المنكوب في احتلاله وتشريده في الأرض شذر مذر وإقامة المستوطنات هنا وهناك وفرض حظر التجوال في كثير من مراحل الصراع في الأماكن المختلفة من مدن وقرى، إضافة لحواجز الإذلال العسكرية المقامة في طول الضفة الغربية وعرضها.
فالشاهد من ذلك كله أن قضية السجناء قضية عادلة وقضية إنسانية يتوجب لا على الفلسطينيين فحسب بل وعلى أمتنا العربية والإسلامية والاتحاد الأوروبي الصديق والولايات المتحدة الأمريكية راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان أن يهبوا جميعاً لأجل هذه القضية الإنسانية المحضة، وهذه القضية الوطنية العادلة، سيما وأن جملة من اتفاقيات السلام قد أبرمت ما بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وبالتالي يتوجب أن تنتهي قضية الأسرى، وهذه استحقاقات مرحلة السلام والاتفاقيات التي أبرمت تحت المظلة الدولية وفي باحات وحدائق البيت الأبيض. وأقل ما في الأمر أن هذه القضية يجب أن تكون قد أخذت طريقها إلى التفكيك، ولا يجوز أن تكون بهذا الحجم وبهذا الكم من السجناء والذي يشكل السجناء الإداريون فيهم حصة كبيرة إن لم تكن حصة الأسد.
فكيف يريد الإسرائيليون للمنطقة أن تهدأ أو يتحقق السلام الشامل والعادل الذي ترضى به وعنه الشعوب والأجيال ويرفضون في الوقت ذاته أن يسيروا بهذا الإتجاه، ولم يفككوا شيئاً من العوالق والعوائق في طريق السلام ومنها وعلى رأسها الإنسحاب من الأراضي التي احتلت عام سبعة وستين وتسعمائة وألف (1967م) وإخراج السجناء، مما يحيل المناخ المتأزم والملبد بالغيوم إلى مناخ لطيف صاف خال من كل غيمة حالكة.
بل وعمدت إسرائيل زيادة في النكاية إلى شيء لم يصنع في الدنيا أبداً ولم تعرفه دولة من دول العالم الحر وغير الحر، حينما أقدمت على وضع وزراء ونواب ورئيس مجلس تشريعي وراء القضبان بغض النظر من أي اتجاه هؤلاء الوزراء والنواب ورئيس المجلس التشريعي، علماً أن هؤلاء جميعاً إنما جاؤا بطريق الانتخاب الحر وبصورة ديمقراطية نزيهة وعادلة وتحت سمع وبموافقة ومباركة أمريكية وأوروبية وإسرائيلية، كما ولديهم الحصانة البرلمانية والحكومية.
فما معنى حينئذ الديمقراطية؟ وهل بقي من معانيها وجوهرها وفلسفتها شيء؟
وأنا في تصوري وتقديري أن هناك تقاعساً كبيراً تجاه السجناء الفلسطينيين على الصعد المختلفة من أمريكية وأوروبية أو دولية. كما أننا نريد نشاطاً أكبر على الصعيد العربي والصعيد الإسلامي أيضاً. صحيح أن سلطتنا الوطنية الفلسطينية لا تألوا جهداً في هذا السبيل القويم، وتبذل قصارى جهدها فيما يتعلق بقضية الأسرى، وتبذل في سبيل إخراجهم من غياهب السجون الغالي والنفيس. غير أن جهودنا الفلسطينية وحدها غير كافية في هذا السبيل، وتصطدم في كل مرة باللآآت والرفض الإٍسرائيلي، ومن هنا فلا بد من وقفة جادة وشجاعة وصادقة مع هذا الملف الإنساني والقضية العادلة من دول العالم الحر على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإلا إلام يرقد تمثال الحرية في نيويورك؟ ثم أين الموقف الجاد والصادق للاتحاد الأوروبي الصديق؟ وما الذي صنعته الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة، حيال هذه القضية التي لا تقطع أكباد السجناء فحسب بل وتقطع أكباد ذويهم من آباء وأمهات وزوجات وأقارب وأصدقاء وزملاء؟ وما دور مجلس الأمن والطمأنينة العالمي إن كان هذا لقبه وهذه صفته؟
كيف يصح أن يهمل هذا الملف أو ينسى ونحن نتغنى بحقوق الإنسان والديمقراطية ونتغنى بالعدالة المجتمعية، وننادي بتفعيل مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان؟
هذا في حقيقته وجوهره تناقض لما نحمل من مباديء وتعارض مع ما ننادي به من قيم ومثل في مجال تحقيق سبل العدالة.
فلا يجوز بحال أن تكون أقوالنا في درب وأفعالنا وسلوكنا في درب آخر مغاير. كبر مقتاً عند الله وعند الناس أن تقولوا ما لا تفعلون.
لا بد من ملاءمة الفعل مع القول، ومن توافق وتطابق الأمر النظري مع الواقع العملي، وإلا فلا فائدة من القول والتغني بما لا روح له وجوهر. بل يغدو ويصبح القول حجة على القائل وسبيلاً عريضاً للنقض والجرح.
إن بقاء ملف الأسرى مفتوحاً دونما تسوية يعني أن الأمر سيبقى في حالة من الغليان والقلق والأرق، ستبقى النفوس في أزمة وبالتالي رفض سياسة الأمر الواقع والقفز على كل سياسات الضغط والكره والقوة.
إن لم يسو هذا الملف التسوية العادلة والسريعة فإن ذلك يعني أننا سنبقى في دوامة من العنف المضاد، وهكذا حتى تتبخر كل مياه السلام وتجفف كل منابع الهدوء والحلول المنصفة المقبولة.
إن إنهاء ملف السجناء الفلسطينيين وتبييض سجون الإحتلال من هذه الفئة المظلومة والذي في معظمهم –كما قلنا قبل قليل- لا يعدون أن يكونوا سجناء رأي وسجناء اجتهاد هو ضروري لا للسجناء وذويهم أو لشعبنا الفلسطيني فحسب، بل وإنما قبل ذلك للإحتلال نفسه وذاته إن رغب أن يعيش الشعب الإسرائيلي في أمن وأمان وطمأنينة وهدوء نفس.
إن إغلاق هذا الملف يعني غلق أبواب كثيرة من الشر والحقد المتبادل وسوء الصنيع. كما وأن طيه ضروري أيضاً لأمن المنطقة برمتها، بل ولأمن العالم أجمع، لأن النار لا تحرق بذاتها ولظاها من قع فيها فحسب، بل وسيلحق لظاها وقد يلحق لهبها القاصي كما لحق الداني.
وبالتالي فإن الخطوة الأخيرة التي خطتها الحكومة الإسرائيلية تجاه بعض الأسرى الفلسطينيين في الإفراج عنهم قد لاقت ترحاباً لدى الأوساط الفلسطينية بعض الشيء، لكن الفرحة لم تكتمل ولن تكتمل إلا بالإفراج عن السجناء الفلسطينيين وغير الفلسطينيين كافة من أشقاء عرب في هذه السجون سواء أكانوا لبنانيين أم سوريين أم مصريين أم يمنيين أم سودانيين وسواهم.
كما أن الفرحة لن تكتمل أيضاً إذا أفرجت الحكومة عن بضع مئات وزجت بعد ذلك وأثناءها وراء القضبان أعداداً أكبر ممن أفرج عنهم، وكأن شيئاً لم يكن، وكأن الحكومة الإسرائيلية لم تصنع شيئاً في هذا الملف العسر.
من هنا فإننا نناشد الحكومة الإسرائيلية ممثلة في رئيس وزرائها إيهود أولمرت أن تفكر جدياً وبشكل سريع وعاجل في قضية الأسرى من فلسطينيين وغيرهم من الأشقاء العرب، وتعمل قصارى جهدها على إغلاق وطي هذا الملف، بحيث تفرج عن كل الأسرى بلا استثناء، ولا تفرق في هؤلاء السجناء بين فصيل وفصيل. فإن نهاية العدالة الأمن والسلامة ونهاية الظلم الهلاك والشقاوة.
وإذا تصورت الحكومات الإسرائيلية أنها بقضايا التشريد والتقتيل والسجن والحواجز العسكرية وغير ذلك من أساليب الظلم والبطش للشعب الفلسطيني تستطيع أن تؤمن نفسها وتكتسب وجودها في المنطقة وتحوز على أحقية بين منظومة الدول والحكومات وستبقى في عيش بأمن وأمان فهي واهمة ومخطأة. بل بانصياعها لقرارات الأمم المتحدة ومسايرتها لشعوب المنطقة، وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره بالموافقة على إنشاء دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية وتسوية عادلة ومنصفة لقضية اللاجئين، وإنهاء الكتل الإستيطانية على أرض الضفة الغربية، وانسحاب كامل من الجولان السورية وأرض شبعة اللبنانية فإن إسرائيل عند ذلك تستطيع أن تكسب وجودها في المنطقة وتصبح دولة لها حقوقها في العيش بأمن وأمان وحرية وكرامة ويزول الروع عنها، وتجتث من خلدها ديمومة القلق على مستقبل هذه الدولة العبرية في وسط كبير من العرب والمسلمين.
د. حمزة ذيب مصطفى
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
3/ذو الحجة/1428هـ –
وفق 12/12/2007م